الانتخابات في 11 تشرين الثاني 2025 ستُعيد إنتاج التوازنات التقليدية في السياسة العراقية إلى حدّ كبير، مع بعض التعديلات والتغيّرات الجزئية. الكتلة الشيعية ستبقى المحور المركزي، لكن ليس بالضرورة أن تمتلك القوة الحاسمة وحدها دون تحالف. وستبقى “المُحاصَصَة” مستمرة، وتوزيع المناصب سيُعيد تقريباً ما كان عليه تقليدياً: رئيس وزراء شيعي، رئيس جمهورية كردي، رئيس برلمان سني، والمشاركة الشعبية ستبقى مصدر قلق، والوضع لا يميل إلى تغيير جذري في بنية السلطة، بل إلى إعادة ترتيب داخلي في الكيانات الفعالة الرئيسية.
تجري هذه الانتخابات في ظرف داخلي وخارجي دقيق، يتمثل في مقاطعة التيار الصدري من جهة، وضعف الثقة الشعبية بالنظام السياسي من جهة أخرى، مع توقعات بانخفاض نسب المشاركة، إلى جانب تحوّلات في التوازنات الإقليمية كالأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا وإيران والمواجهة مع الكيان المؤقت. وأمام هذه المعطيات، تستعد الجهات الفاعلة الشيعية والسنية والكردية لهذه الانتخابات عبر قوائم وتحالفات متعددة، غير أن المشهد العام يشهد انقسامات واضحة في الإطار الشيعي، وكذلك في الوسط الكردي بعد انتخابات الإقليم، وذات الحال يسري على المكون السني.
وقد كانت نسبة المشاركة في تراجع في الدورات السابقة، ما يشير إلى أن عامل عدم الثقة الشعبية قد يكون مؤثّراً أيضاً. ومع ذلك، فإن الكتلة الشيعية، بما في ذلك أحزابها وتحالفاتها المختلفة، ستحتل الحصة الأكبر من المقاعد في البرلمان، نظراً لعدد السكان والتوزيع الجغرافي، إلا أنه من غير المتوقع أن تحصل على الأغلبية المطلقة التي تمكّنها من تشكيل الحكومة بمفردها دون الاتفاق مع قوائم أخرى، سواء كردية أو سنية أو من المستقلين.
ومن المتوقع أن يكون أبرز المتنافسين داخل البيت الشيعي تحالف محمد شياع السوداني (رئيس الوزراء حالياً) عبر قائمة «إعمار وتطوير»، وتحالف نوري المالكي عبر «دولة القانون» الذي لا يزال يمتلك شبكة قوية في بعض المحافظات. وبتقديري، فإن القائمة التي يتزعمها السوداني سيكون لها موقع متقدم في هذه الانتخابات. كما أن ظهور لاعب جديد أو شبه جديد داخل السياق الشيعي وارد، وقد يكون من المستقلين أو من خط الحشد والمقاومة، لكن حتى اللحظة لا توجد إشارة قوية إلى “قوة مفاجئة” تشق الطريق وتتفوّق على الكيانات التاريخية.
نعم، هناك احتمال لمفاجآت، مثل مشاركة أعلى أو أقل من المتوقع، أو بروز مستقلين أو قوائم شبابية، أو تغيّرات في سلوك الناخب، أو استخدام أكثر كثافة لوسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن هذه الانتخابات أُنفقت فيها أموال طائلة. لكن في الوقت ذاته، تشير غالبية التحليلات إلى أن الكثير سيبقى على ما هو عليه من حيث الحصص الكبرى والإطارات التقليدية.
أما بالنسبة للسنة، فمن المرجّح أن تبقى مقاعدهم على حالها تقريباً كما في السابق، إذ لا توجد مؤشرات على زيادة كبيرة في تمثيلهم، خاصة مع الانقسام داخل الكتل السنية. وبالنسبة للأكراد، فمن المعتاد أن يتفقوا أو يُجبَروا على الاتفاق مع الكتل الشيعية أو السنية الكبرى ضمن تشكيل حكومة وفاق، ولا توجد حتى الآن معطيات واضحة تفيد بأن الكتلة الكردية ستحقق انفراجة كبيرة، لكن من المرجّح أن تحافظ على تمثيل مؤثر في المعادلة السياسية المقبلة.
ومن الأرجح أن الكيانات المرتبطة بالحشد الشعبي سيكون لها حضور أفضل في قبة البرلمان مقارنة بالدورات السابقة، ولا سيما بعد دخول حركة “حقوق” التابعة للحشد بقائمة منفردة في هذا السباق الانتخابي.